شرح قصيدة فى القدس (تميم البرغوثى)?
شرح قصيدة فى القدس ـ تميم البرغوثى :
فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها.
يبدأُ الشاعرُ الجزء الأول من قصيدة في القدس بتنظيمها على شكل القصيدة العمودية، ثمّ ينتقل في الأجزاء الأخرى من القصيدة بتنظيمها على نمط الشعر الحُرّ، فهو يتنقّل من النمط القديم للشعر إلى النمط الحديث للشعر، وفي ذلك دلالة على أنّ مدينة القدس لها جذور تاريخية قديمة جداً، وهي حاضرة الآن، ولكنّها تحت الاحتلال الصهيوني، حيثُ يمرّ الشاعر على دار الحبيب، والمقصود بها مدينة القدس، ولكن دون أن يتمكّن من دخولها، وذلك بسبب قوانين العدوّ المحتّل، التي تمنع الشاعر الفلسطيني الأصل من الوصول إلى القدس، ويحاول الشاعر بعدها تخفيفَ غضبه بمواساته لنفسه، فيقول ربما عدم القدرة على دخولها هو نعمة، لأنّه سوف يرى ما لا يتحمّله، وذلك بسبب الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس العربية، ثمّ يختم الشاعر هذا الجزء بقوله: متى تُبصر القدس العتيقة مرّة فسوف تراها العين حيثُ تديرها، بمعنى إذا رأيت القدس القديمة مرة فسوف تبقى محفوظةً في العين، وتراها دائماً.[٢]
الجزء الثاني من القصيدة
في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته
يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في طلاءِ البيتْفي القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا
يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامهافي القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاًتَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً
مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْفي القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْفي القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ.[١]
يبدأُ الشاعرُ الجزءَ الثاني من القصيدة بوصفه للمشاهد الواقعية داخل مدينة القدس العربية في ظِلّ الاحتلال لها، ويُظهرُ الشاعر مختلفَ أطياف المجتمع في مدينة القدس، وقد صوّر شخصيّات الاحتلال بدءاً من بائع الخضار، واليهودي المتديّن الذي يُعلّم فتية البولون أحكام التوارة، والشرطي الذي يُغلق شارع السوق في القدس، والمستوطن الذي يحمل الرشّاش ليخوّف به المسلمين، كما يُظهر الشاعرُ السائحين الأجانب، وعدم اهتمامهم بالذي يحدث في مدينة القدس، فهم لا يهتمّون بها، بل يهتمّون بالتقاط الصور مع بائعة الفجل فقط، كما أظهر الشاعر الشخصيات العربية الإسلامية التي تريد الصلاة في المسجد الأقصى، ولكنّ منعهم من الصلاة فيه جعلهم يصلّون على الأسفلت، كما أظهر الشاعر في هذا الجزء صورة مهمّة، وهي أنّ التنوع الديني، والعرقي، واللغوي، والفكري للأشخاص من جورجيا، ومنهاتن، والحبشة، والسيّاح الأجانب جميعهم بعيدون عن العروبة، والدين إلا أنّ الرشاش يوحدّهم جميعاً ضد أبناء الشعب الفلسطيني.[٣]
الجزء الثالث من القصيدة
وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً
أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم، وتبصرُ غيرَهمها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ
أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّحجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ
في القدسِ كلًّ فتى سواكْوهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها
ما زِلتَ تَرْكُضُ خلفها مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِهافارفق بنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ
في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ.[١]
يبدأُ الشاعرُ هذا الجزء بشخصنة التاريخ، وجعله طرفاً مُحاوراً له، فيلتفتُ التاريخ للشاعر مع ابتسامة ساخرة، ويحدّثه واصفاً للواقع الذي تعيشه مدينة القدس، وما أصبحت عليه الآن، فيسألُ التاريخُ الشاعرَ إن كان يرى غير البولوني، والجورجي، والحبشي، والسيّاح الأجانب في القدس، ويقول له بأنّهم أصبحوا متنَ النص، وأنت على هامشه، أصبحوا الأصل، وأنت فرع هذا الأصل، ثمّ يقول التاريخ مستنكراً هل تظنّ أنّ هذه الزيارة سوف تُريك ما تهوى رؤيتَه، ثمّ يقول إنّ الجميع متواجد هناك سوى صاحب الحقّ بالتواجد، فيقول في القدس كلّ فتى سواكْ، ثمّ شبّه القدس بالغزال السريع الذي ركض خلفه كثيراً، ولكن من سرعته فارق الشاعر.[٢]
الجزء الرابع من القصيدة
يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً،
فالمدينةُ دهرُها دهرانِدهر أجنبي مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ
وهناك دهرٌ كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ.[١]
يردُّ الشاعر في هذا الجزء على التاريخ، فيطلب منه عدمَ التسرّع في كتابة الأحداث، حيث صوّر الشاعر بأنّ مدينة القدس تعيشُ واقعين مختلفين في وقت واحد، الواقع الأول هو الاحتلال الصهيوني، ومطامعه التي لا تتغير بالسيطرة على فلسطين، ولكنّها مجرّد أضغاث أحلام، لن تتحول إلى واقع، أمّا الواقع الثاني وهو الواقع الحقيقي، والذي يمثّل مقاومة الشعب الفلسطيني للمخططات الصهيونية، فهم أي أبناء الشعب الفلسطيني حذرون، ومتلثمون ينتظرون مجيء الوقت المناسب، لدحر الأعداء.[٣]
الجزء الخامس من القصيدة
والقدس تعرف نفسها،
اسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُفكلُّ شيئ في المدينةِ
ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ.[١]
في هذه الأبيات إثباتُ هوية القدس العربية الفلسطينية، ودليلُ الشاعر في ذلك هو كلّ شيء موجود داخلَ مدينة القدس، فكلّ شيء في القدس يشير إلى هويتها الحقيقة، وفي هذا إشارة إلى عروبة القدس قبل اليهودي المحتّل.[٣]
الجزء السادس من القصيدة
في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ
حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِتَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ.[١]
في هذه الأبياتِ صورة لحجم المعاناة التي يعيشها أبناءُ الشعب الفلسطيني في مدينة القدس، والهلال هو إشارة إلى أنّ المسلمين هم المقصودون من الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني.[٣]
الجزء السابع من القصيدة
في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ
في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،
تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيهاتُدَلِّلُها وَتُدْنِيها
تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيهاإذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها
وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميهاونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً
إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ.[١]
يقدّمُ الشاعرُ في هذا الجزء ملامحَ من جمال قبة الصخرة المشرفّة ذات الثمانية أضلاع، والمرتكزة على قبة من الذهب، التي تبدو مثل مرآة محدّبة تعكس من جمالها السماء، ولكنّ جمال هذا البناء لا يكتملُ بسبب الحصار المستمّر عليه من قِبل الكيان الصهيوني، وخصوصاً ما يتعرض له المصلوّن في يوم الجمعة من عمليات المنع، والاعتداء، كما يُظهر الشاعر قدسيّة مدينة القدس عند المسلمين، والمسيحيين.[٣]
الجزء الثامن من القصيدة
في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ
كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،
أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"،
فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"،حتى إذا طال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْإن أرادَ دخولَها
فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ.[١]